للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الشاعر أضمر بعد إياك فعلاً آخر هو الناصب للمراء، فقال في "الكتاب": "ولو قلت: إياك والأسد، تريد: من الأسد، لم يجز"، ثم قال سيبويه: "إلا أنهم زعموا أن ابن أبي إسحاق أجاز هذا البيت في شعر:

إياك إياك المراء فإنه ... إلى الشر دعاء وللشر جالبُ

كأنه قال: إياك، ثم أضمر بعد إياك فعلاً آخر، فقال: اتق المراء".

وذهب إلى هذا الذي ذكره كاتب المقال في صحة نحو: إياك والأسد بدرُ الدين بن محمد بن مالك، وخالف الجمهور في منعه، وقدر عامل النصب في الاسمين لفظ "احذر"، غير أن بدر الدين بن مالك لم يتسرع إلى أن يقول: إن الواو في مثل: إياك والأسد، زائدة، بل يوافق الجمهور في أن الواو في نحو هذه الصيغة عاطفة. أجاز بدر الدين بن مالك نحو: إياك الأسد، ولم يقل: إن الواو في نحو: إياك والأسد زائدة بشبهة أن المعنى في الصيغتين واحد، كما قال كاتب المقال، ذلك أن معنى التركيب قد يأخذ في حال ذكر الحرف صورة غير الصورة التي يأخذها حال تجرده من ذلك الحرف، فتختلف الصورتان، ويكون المعنى في ظاهر الكلام واحداً، فلو قلت: إياك الأسد، مقدراً: احذر - مثلاً - أخذ المعنى صورة غير الصورة التي يأخذها عندما تقول: إياك والأسد، مقدراً فعلاً يقع على المعطوف والمعطوف عليه؛ نحو: باعدْ، فصورة المعنى في التركيب الأول تشتمل على الإخبار بأن المتكلم يحذر المخاطب من الأسد، وصورة المعنى في التركيب الثاني تشتمل على أمر المخاطب بأن يباعد نفسه من الأسد، ويباعد الأسد منه، والصورتان يلتقيان على غرض واحد هو: تحذير المخاطب من أن يدنو من الأسد.