للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عن صورتها الأولى - نقصد: الصورة التي نزل القرآن الكريم بها -".

علل حضرته ازدياد الانفصال بين العامية والعربية بأن الفصحى قنعت بأن تكون أداة التعبير الفكري والعلمي، والواقع أن الفصحى بقيت تستعمل في المراسلات للتعبير عن كل شأن من شؤون الحياة، ولم تفقد مكانتها في المخاطبات العادية من جهة أنها غير قابلة لأن تتطور بتغير الأحوال وتبدل ظروف الحياة، وإنما السبب في ذلك: قلة العناية بتعلمها، وتمرين النشء على التخاطب بها، ومن هنا نرى الفصحى تطارد العامية في ألسنة المتعلمين، وتقلل من رطانتها على ألسنة أنصاف المتعلمين؛ حيث أصبحت أحاديث الإذاعة تطرق كل سمع، والصحف السيارة تقع في كل يد.

ويقول حضرته: وكانت القداسة التي خلعها عليها القرآن الكريم من أقوى أسباب قلة قبولها للتطور الذي يبعدها عن صورتها الأولى.

والواقع أن الأساليب التي تجري في اللغة نوعان:

أولهما: أساليب ترجع إلى ما يبحث عنه في علم النحو، وهي ما يعد الخروج عنه خروجاً من أوضاع اللغة؛ كان يجري الكلام على غير إعراب، أو على غير ما يجب مراعاته في نظم الكلام تقديماً وتاخيراً، أو ما يجب أن يقع عليه الكلام من أحوال الاتصال والانفصال، والذكر والحذف. ووقوفُ اللغة عند حد هذه الأساليب التي يقرها علم النحو، لم يكن سببه قداسة القرآن، بل لأنها محكمة الوضع، كافية للتعبير عن الأفكار السامية.

ثانيهما: الأساليب التي تجري في دائرة ما تجيزه القوانين النحوية، وهي من الكثرة والتفاضل بحيث يتسابق إليها الكتاب والخطباء إلى أقصى ما يرومون من مظاهر الفصاحة والبراعة.