للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

في ازدياد البعد بينها وبين العربية الفصحى، ونحن نتفاءل للعامية بأنها سائرة في ازدياد التقرب من اللغة الفصحى، ومن نظر إلى اللغة العامية في العهد السالف، وقاسها بهذا العهد الحاضر، وجد اللغة العامية أخذت تتقرب من العربية على قدر انتشار التعليم، وتبسيط أساليبه، ومما ساعد عل هذا التقريب الصحف السيارة والإذاعة؛ فقد أصبحت العامة تسمع من مفردات اللغة وأساليبها ما لم يكونوا يسمعون من قبل.

قال حضرة العضو المحترم (ص ٢): "بدأ هذا الانفصال منذ أول التاريخ الإسلامي، وما زال يزداد حتى بلغ إلى مداه الذي نراه اليوم بين لغة المثقفين القارئين، وبين لغة التعامل الحر".

قد رأيناك أن هذا الانفصال لم يكن ناشئاً عن التطور الذي تقتضيه طبيعة الحياة، وإنما نشأ عن قلة التعليم، وإطلاق الألسنة تنطق بالكلم على جهالة كيف تشاء، ولو كان ذلك الانفصال تطوراً طبيعياً، لما رأينا اللغة العامية الآن تنهض من كبوتها متدرجة في التقرب من اللغة الفصحى.

قال حضرة العضو المحترم (ص ٢): "وذلك يشبه ما حدث في بلاد أوربا؛ إذ تطورت اللغة اللاتينية في الوطن اللاتيني، وما يليه من البلاد التي كانت لغة الثقافة فيها هي اللاتينية، ونشأت من ذلك اللغة الإيطالية والفرنسية والإسبانية، وتباعدت الصلة بين اللاتينية وبين سلالاتها تباعداً مختلفاً، يقل في بعضها، ويزيد في بعضها؛ تبعاً لما داخلها من آثار الأقوام الذين مزجوا لغاتهم الأجنبية باللغة اللاتينية الأصلية، وقد حدث مثل هذا التطور إلى حد كبير في اللغة اليونانية؛ فإن يونانية اليوم ليست هي اليونانية القديمة، وإن كان المصدر لا يزال واحداً".