وأما ما تذكر فيه أداة التشبيه، فلا أستطيع أن أعدّه في قبيل الخيال جملة، كما أني لا أعزله عنه في كل حال، فإن كان فيه إخراج المعقول في صورة المحسوس، أو المحسوس في صورة المعقول، أو إخراج الخفي إلى ما يعرف بالبداهة، أو إخراج الضعيف في الوصف إلى ما هو أقوى فيه، صحت إضافته إلى الخيال؛ إذ له الأثر القوي في تقريره.
وأما عقد المشابهة بين أمرين متفقين في وجه الشبه من غير تفاوت؛ كالتشبيه الذي يساق لبيان الاتحاد في الجنس أو اللون، أو المقدار أو الخاصية، فلا يصح نسبته إلى الخيال الشعري، وإن وقع في كلام مقفّى، وإنما هو مما ينظر فيه الباحث عن الحقائق؛ كالفيلسوف أو الطبيب.
فلو اتفق أن وقف فتى بجانب ظبي، وانطلقا في فسيح من الأرض، ولم يفت أحدهما صاحبه قيد شبر، فبدا لك أن تتحدث عنهما فقلت - ولو في نظم -:
"كان فلان في سرعة عدوه كالغزال"، لم يكن في هذا التشبيه شيء من الخيال؛ لأن عقد المشابهة بينهما في هذا الحال يشاركك فيه كل من شاهد الواقعة، وإنما يمتاز التخيل بمثل قول الشاعر:
وفي الهيجاء ما جزَّبتُ نفسي ... ولكنْ في الهزيمةِ كالغزالِ
حيث إن الخيال بحث عن صورة المشبه به، وهو الغزال، وانتقاها من بين سائر الصور المتراكمة في الحافظة، ثم تصور انطلاق المنهزم، وهو الشاعر نفسه، وبالغ في مقدار سرعته إلى أن وقع التشابه بينه وبين الغزال.
وإن أردت أن تفرق بين التشبيه الذي يدخل في التخيل، والتشبيه الذي