إذا أضيف إليها بعض معان عهد اختصاصها بنوع المشبه به أعني: ما يسميه البيانيون: ترشيحاً، ومن أبدع ما نسج على منوالها قول البارودي:
من النفر الغرِّ الذين سيوفُهم ... لها في حواشي كلِّ داجيةٍ فَجْرُ
إذا استلَّ منهم سيدٌ غَرْبَ سيفهِ ... تفرَّعتِ الأفلاكُ والتفتَ الدهرُ
أراد الشاعر وصف قومه بأنهم أولو الصرامة التي تفرج الكرب المدلهمة، والسطوة التي يرهبها كل خطير، فساق إليك هذا الغرض في صورة تنظر منها إلى سيوفهم كيف تجرد حول الليلة الفاحمة، فيسطع الفجر الواضح في جوانبها، وترى فيها الحسام الواحد كيف يسل من جفنه، فترتعد الأفلاك ذعراً، ويلتفت له الدهر حذراً. خيِّل إليك أن الداهية ليلة ظلماء، وأن الفرج الذي ينبعث من مطلع سيوفهم صبيحة غرّاء، وعبَّر عن الأولى باسم الداجية، وعن الثانية باسم الفجر، وهذا التعبير الملوّح إلى ذلك التخييل هو الذي يعنيه البيانيون بقولهم: استعارة مصرحة.
ثم خيَّل الفلك في صورة من له قلب يفزع، والدهر في صورة من له وجه يلتفت، والتصريح باسمها بعد هذا التخييل يدخل به الكلام فيما يطلقون عليه لقب الاستعارة بالكناية، ويمكنك أن تفهم الفجر في البيت بمعنى لمعان السيوف وتألقها المشاهد بالأبصار على نمط قول بشر:
سللتُ له الحسامَ فخلتُ أني ... شققتُ به لدى الظلماءِفجرا
ولكنك تضيع من يدك ما أفاده الوجه الأول من أن النجدة في جانبها، والظفر مقرون بطالعها، إذ لا يلزم من لمعانها في حواشي الداجية، أن تطعن في لبتها، وتقلبها بالفوز عليها إلى صبيحة مسفرة.
ومن التخييل الذي لا يدخل له الشاعر من طريق تشبيه أو مجاز، ما تشهد