ملأنا البرَّ حتى ضاق عنا ... وظهر البحر نملؤه سفينا
فإنه اطرد في حلية الفخر حتى وصل إلى التعبير عن منعة الجانب، والسطوة التي لا يفوتها هارب، فخطر له أن يثبت له ولقومه من القوة ووسائل الفوز ما يرهبون به عدوهم، فذكر أنهم ملؤوا البر جنداً حتى لم يبق فيه متسع، ويملؤون ظهر البحر بالمنشآت من السفن؛ ليدل بهذا على أنهم لا يبالون بالعدو من أي ناحية هجم، ولا يتعاصى عليهم إدراكه في أي موطن ضرب بخيامه.
والذي صنع خيال الشاعر في هذا البيت: أنه تجاوز في الإخبار بكثرة قبيلته وسفنه حد الحقيقة، وتطوحت به نشوة الفخر إلى أن تخيل البر قد غصَّ كما تغص الثكنة بجنودهم، وأن البحر يتموج بسفنهم كتموج السماء المصحية بكواكبها الزاهرة.
ومنها: تكبير الصغير؛ كقول بشر يصف وقعة الأسد حين قسمه بالضربة القاضية على شطرين:
فخرَّ مضرَّجاً بديمٍ كأني ... هدمت به بناء مشمخرّا
فقد تخيل عندما سقط الأسد إلى الأرض دفعة: أنه أتى إلى بناء شامخ، ونقضه من أساسه، فانقضت أعاليه على أسافله، فالخيال هو الذي بلغ بجثة الأسد إلى أن جعلها في العظم بمقدار بناء ارتفعت شرفاته، حتى اتخذت من السحب أطواقاً.