كفى بجسمي نحولاً أنني رجلٌ ... لولامخاطبتي إياك لم ترني
وقوله:
ولو قَلَمٌ أُلقيتُ في شقِّ رأسه ... وخُطَّ به ما غيَّر الخط كاتبُ
فالصبُّ، وإن تقلب على فراش الهجر أمداً طويلاً، وأكل الوجد من لحمه حتى شبع، وشرب من دمه حتى ارتوى، لا يصل في نحافة الجسم إلى أن يسعه شقُّ رأس القلم، أو يخفى عن عين الناظر إليه، وإن كانت عشواء، وإنما هو الخيال أخذ يستصغر ذلك الجسم، حتى ادعى في البيت الأول أن مخاطبته للناس هي التي تهديهم إلى مكانه فيبصرونه، ولولاها لبقي محجوباً عن أبصارهم، وإن وقف قبالتهم، وادّعى في البيت الثاني: أنه لو وقع في شق اليراعة، وانطلقت به اليد في الكتابة، لاستمر الخط بحاله.
ومنها: جعل الموجود بمنزلة المعدوم؛ كقول المتنبي:
ومطالب فيها الهلاكُ أتيتُها ... ثبتَ الجنان كأنني لم آتها
وصف نفسه بالإقدام على مواقع الردى، واقتحام الأخطار بجنان ثابت، وعزم لا يتزلزل، حتى تخيل؛ لقلة المبالاة بها، وعدم الفزع لملتقاها: أنه لم يكن قد خاض غمارها، ورآها كيف تنشب أظفارها، وإنما نشأ هذا الخيال من جهة أن الخطوب المدلهمة لا يسلم من روعتها والدهشة لوقعتها في مجرى العادة إلا من حاد عن ساحتها، وجذب عنانه عن السير في ناحيتها.
ومنها: تصوير الأمر بصورة حقيقة أخرى، ولها في هذا المقام أربعة أحوال:
أحدها: تخيل المحسوس في صورة المحسوس؛ كما في قول زهير: