خامسة، وهي أن تقام الموازنة بين الشاعرين على أن يقضى لأحدهما بالأفضلية المطلقة.
الحالة الأولى: أعني: ما تعقد فيه الموازنة بالنظر إلى معنى خاص، والواقعةُ واحدة؛ كقول أبي عبدالله بن الزين النحوي يصف بركة نثر عليها الياسمين:
نثر الغلامُ الياسمينَ ببركةٍ ... مملوءةٍ من مائِها المندفقِ
فكأنه نثر النجومَ بأسرها ... في يوم صحوٍ في سماءٍ أَزرقِ
فإذا قسته بقول علي بن ظافر في هذه البركة نفسها:
زهرُ الياسمين ينثر في الما ... ءِ أمْ الزهرُ في أديم السماء
ظلَّ يحكي عقودَ دُرٍّ على صد ... رِ فتاةٍ في حُلَّةٍ زرقاءِ
رأيت كلاً من الشاعرين شبه الياسمين بالنجوم بادية في السماء، وتشبيه ابن الزين في هذا الوجه أجودة لأنه ذهب به الخيال إلى تفاصيل لم يأت عليها ابن ظافر، فإذا التفتَّ إلى تشبيه ابن ظافر في البيت الثاني، رأيت خطور هيئة النجوم والسماء عند مشاهدة الياسمين يطفو فوق الماء، أقرب من خطور عقود الدر تتقلدها الفتاة المتبرجة في حلة زرقاء، فيكون تشبيه علي بن ظافر أجودة لندرة المشبه به، وقلة ابتذاله بمشاهدة كل ذي عين باصرة. ولولا أن ابن الزين أسند نثر النجوم إلى الغلام، ونبّه على كرة الياسمين بقوله: نثر النجوم بأسرها - لانتفت عنه المزية، وكان تشبيهه من التخيلات الموضوعة في طريق كل من خطر على باله أن يذهب في تصوير المعنى من باب التشبيه. ومن هذا الضرب قول ابن المنجم يصف مطلع الهلال عند غروب الشمس: