إذا امتحن الدنيا لبيبٌ تكشفت ... له عن عدوٍّ في ثياب صديق
لو ذهب إلى ذم الدنيا صراحة، وهي حلوة خضرة، لم يأخذه السامع بمأخذ التسليم، وأنكر أن يكون في لذيذ المذاق جميلِ المنظر ما يجب الحذر منه، فعدل إلى إخراج الذم في مثال يريه كيف يتزيّي الشر بزي الخير، ويظهر المؤذي في بهجة ما يعد نافعاً.
- أو تخفيف الرغبة فيه، وتقليل الاهتمام به؛ كما قال المعري:
وإن كان في لبس الفتى شرفٌ له ... فما السيف إلا غِمدُه والحمائلُ
فمن تمثلت له الملابس بمنزلة الغمد والحمائل من السيف، لم يطمح بنظره إلى تنميقها، أو يجهد سعيه في اتخاذها من النسيج الفاخر، وإنما يصرف همته إلى ما تسمو به النفس من علم وفضيلة، كما أن البطل لا يعبأ بالغمد والحمائل، وإنما يقبل على السيف، فينفق سعه في إجادة صنعه، وإرهاف حده.
- أو التسلية؛ كقول صاحبنا الأمير شكيب يسلي البارودي وهو في المنفى:
إن يحجبوك فما ضرَّ النجومَ دجى ... ولا زرى السيفَ يوماً طيُّ أغماد
لابأس إن طال نجز السعدموعده ... فأعذب الماء شرباً في فم الصادي
أراد أن ينفث في نفس مراسله كلمة تحل منها عقدة الضجر، وتطرد عنها غيم الوحشة، فذكَّره بأن ما جرى عليه من التغريب والإخفاء عن أعين من ألفوه وألفهم، قد ابتليت بمثله الكواكب، فلم يمسها بنقيصة، ومنيت به