السيوف، فلم يضع من قيمتها فتيلاً. ورام بعد هذا تخفيف ما عساه أن يساور قلبه من لوعة الحنين إلى الوطن، والهم بما طال عليه من الأمد، فأقام له مثالاً من حال الماء حيث يكون مذاقه في فم من بعد عهده به- وهو الظمآن- ألذ وأشهى.
ومما صنعت في غرض التسلية:
بثثت شعاع علمك في نفوس ... تسوق إليك ما اسطاعت حتوفا
كذا الأقمار تكسو الأرض نوراً ... ولولا الأرض ما لقيت خسوفا
- أو إزالة ما يخالط النفس من النفور عن الأمر، أو عده عيباً؛ كما قال الفرزدق:
تفاريقُ شيبٍ في الشبابِ لوامعٌ ... وما حسن ليل ليس فيه نجوم
ضرب المثل للشعر الأسود تتخلله شعرات من الشيب، بحال ليل داج تتألق في سمائه الكواكب؛ ليخيل أن الشيب مما يحدث في الخلقة حسناً، ويزيدها بهجة، حتى يضع الأنس به مكان التجافي عنه. ومن هذا القبيل قول قابوس:
ياذا الذي بصروف الدهر عيَّرنا ... هل عاندَ الدهرُ إلا من له خطرُ
أما ترى البحر تطفو فوقه جيفٌ ... وتستقرُّ بأقصى قعره الدررُ
وفي السماء نجومٌ لا عداد لها ... وليس يكسف إلا الشمسُ والقمرُ
- أو الدلالة على أن الذي تحكي عنه صفة قد بلغ فيها غاية قصوى، لتستدعي له في نفس المخاطب إجلالاً، أو إشفاقاً، أو تحقيراً له، أو جفاء عنه، ويرجع إلى هذا الغرض كثير من التخيلات الواردة على طريق المبالغة