قطَّعت يا يومَ النوى أكبادي ... ونفيتَ عن عيني لذيذ رقادي
فلما انتهى من إنشادها، قال المعتضد: اجلس؛ فقد وليتك رياسة الشعراء، ولم يأذن في الكلام لأحد بعده.
ومن شدة إعجاب الرجل بالبيت: اتخاذه له كمثل يضربه عند كل مناسبة؛ كما كان سيف الدولة يكثر من إنشاد قول أبي تمام:
من كان مرعى عزمه وهمومه ... روضَ الأماني لم يزل مهزولا
وأذكر بهذا: أن الأبيات التي أعجبت بها أشد الإعجاب، أجدني أذكرها - ولو في نفسي - عند كل مناسبة، ومن هذا الطرز قول أبي تمام:
من لم يسسْ ويطير في خيشومه ... رهجُ الخميس فلن يقودَ خميسا
إن الشعر البارع يبهج النفوس بجودة تصوير معانيه، وحسن صياغة ألفاظه، من غير نظر إلى قيمة الغرض الذي يرمي إليه، ومن هنا نرى بعض أهل الجد والورع قد يرتاحون لسماع شعر يعدون معانيه من قبيل اللهو، وهذا عمر بن أبي العلا، قد سئل عن أبدع الناس شعراً، فقال: الذي يقول:
لم يطل ليلي ولكن لم أنم ... ونفى عني الكرى طيفٌ ألمْ
روّحي عني قليلاً واعلمي ... أنني يا عبل من لحم ودم
يعني: بشار بن برد.
وكان عمر بن عبد العزيز يستجيد - وهو أمير المدينة - قصيدة نصيب التي يقول في أولها:
قفا أخويّ إن الدار ليست ... كما كانت بعهد كما تكون