ولما لقي نصيباً، قال له: أنشدني قولك: "قفا أخوي"؛ فإن شيطانك كان لك فيها ناصحًا حين لقنك إياها.
وإذا كانت النفوس تبتهج لحسن صناعة الشعر، فإن ابتهاجها يجعلها تقبل على ما يعرضه عليها من حكمة، أو يسديه إليها من نصيحة، والشعر إما أن يعطي الحكمة في صراحة؛ كالبيت الذي قال فيه الأصمعي: إنه أبرع بيت قالته العرب، وهو قول أبي ذؤيب الهذلي:
والنفسُ راغبةٌ إذا رَغَّبتها ... وإذا تُرَدُّ إلى قليلٍ تقنعُ
والبيت الذي قالوا: إن العرب لم تقل بيتاً أصدق منه، وهو قول الحطيئة:
من يفعل الخيرَ لم يعدمْ جوازيه ... لا يذهبُ العرفُ بينَ اللهِ والناسِ
والبيت الذي قيل: إنه أحكم بيت قالته العرب، وهو قول الآخر:
ولربما ابتسم الكريمُ من الأذى ... وفؤادُه من حرّه يتأوه
وإما أن تستفيد منه الحكمة من طريق غير صريح؛ كبعض الشعر الذي يقال في نحو المديح أو الحماسة، فمن الشعر الذي يسمو بالنفس إلى فضيلة الشجاعة وحماية المستجير، وإن ورد في سياق المديح: قول الشاعر:
حملوا قلوب الأسد بين ضلوعهم ... ولووا عمائمهم على الأقمار
إن خوّفوك لقيت كل كريهة ... أو أمّنوك حللت دار قرار
ومن الشعر الذي يطبع النفوس على التعفف والتجمل، وإن جاء في معنى الفخر، أو التحدث بالنعمة: قول مهيار الديلمي:
وأُري العدوَّ على الخصاصة شارةً ... تصف الغنى فيخالُني متمِّولا