سالماً من النقص، غير مثقل بزيادة ما لا فائدة منه، حسن الوضع، متلائم الأجزاء واقعاً من المقام الذي أورده فيه موقع المناسب المقبول، ومن هنا كان لنقد معاني الشعر وجوه مختلفة.
يدخل العيب على المعنى من جهة: الجمع بين أشياء غير متناسبة، وكثيراً ما يقع في هذا العيب من يقصد إلى النوع المسمّى بالمطابقة، ومما ذهب بعض النقاد إلى أنّ الشاعر جمع فيه بين شيئين غير متناسبين: بيت المتنبي:
أزورُهُمْ وسوادُ الليلِ يشفعُ لي ... وأنثني وبياضُ الصبحِ يُغري بي
فقد روي أن المعتمد بن عباد تباحث مرة مع جلسائه في هذا البيت، وقال: ما قصر في مقابلة كل لفظة بضدها، إلا أن فيه نقداً خفيًا، وهو أن الليل إنما يطائق بالنهار، ولا يطابق بالصبح الذي هو جزء من النهار، ومراد المعتمد: القدح في المطابقة بين الليل والصبح، وإن كان لذكر الصبح وجه هو أن المحبَّ ينصرف من الزيارة عند المحبوب انفجار الصبح خيفة الرقباء.
ويعاب بوقوعه في عكس الغرض؛ يقول أبي تمام:
إنَّ البشاشةَ والندى خيرٌ لهم ... من عفةٍ جمست عليك جموسا
لو أنَّ أسبابَ العفافِ بلا تقى ... نفعت لقد نفعت إذاً إبليسا
ساق الجرجاني هذين البيتين، وقال: ليت شعري لو أراد هجوه وقصد الغض منه، هل كان يزيد على أن يذم عفته ويصفها بالجموس والجمود، وهما من صفات البُرَّد والثقال، ثم يختم الأمر بأن يضرب له إبليس مثلاً، ويقيمه بإزائه كفؤاً!.