للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ويعاب الشعر بقصوره عن بلوغ الغرض؛ حيث يقصد الشاعر إلى ضرب من المدح - مثلاً -, ويصوغ له معنى يظنه وافيًا بالغرض، فلا يبلغ أن يكون مدحاً، وقد وقع في هذا العيب كثير عزّة حين قال:

فما روضةٌ بالحزنِ طاهرة الثرى ... يمجُّ الندى جَثجاثها (١) وعرارَها

بأطيبَ من أردانِ عزَّة موهِناً (٢) ... وقد أوقدت بالمجمر (٣) اللدن نارها

أراد مدح عزّة بطيب الرائحة، فلم يبلغ ما أراد، فإن كل من يتجمر بالمجمر اللدن تطيب رائحته، وقد أشار إلى هذا القصور بعض من سمعه ينشد البيت، فقال له: لو فعل هذا بأمة زنجية، لطاب ريحها، ألا قلت كما قال امرؤ القيس:

أم تر أني كلما جئت طارقاً ... وجدتُ بها طيباً ولم تتطيبِ

ومن هذا الضرب قول الفرزدق - في رأي بعض الناقدين -:

فمن يأمنِ الحَجّاجَ والطيرُ تتقي ... عقوبَتَه إلا ضعيف العزائم

قال ناقدو البيت: إن الطير يخشى كل أحد، حتى أقصر الناس يداً؛ كالصبيان ونحوهم، فليس في اتقاء الطير للحجّاج كبير مدح للحجّاج، ويقال: إن الحجاج قال للفرزدق: ما عملتَ شيئاً، إن الطير تنفر من الصبي والخشبة.

ومن الظاهر أن الفرزدق قصد إلى مدح الحجّاج بقوة السلطان وطول اليد؛ بحيث لا ينجو من سطوته مجرم، ولو كان الحيوان الذي شأنه أن يكون


(١) الجثجاث: نبات سهلي ربيعي.
(٢) الموهن: نحو من نصف الليل، وقيل: هو بعد ساعة منه.
(٣) المجمر: العود يتطيب به.