في منعة، كالطير يذهب في الجو صاعداً، فلا تناله يد حتى ينزل في مأمن من كل ذي قوة، فاتقاء الطير للحجاج كناية عن سعة سلطانه، وأنه لا يخلص منه مجرم، ولو شقّ عنان السماء هرباً.
ويدخل في هذا الباب قول الجعدي:
فتى كملت أخلاقُه غيرَ أنه ... جوادٌ فلا يبقي من المال باقيا
أشمُّ طويلُ الساعدين شمردلٌ (١) ... إذا لم يرح في المجد أصبح غاديا
أنشد هذا الشعر في مجلس هارون الرشيد، فأنكر منه قوله:"إذا لم يرح للمجد"، وقال: لِمَ لمْ يروحه في المجد كما أغداه؟ ألا قال:
"إذا راح للمعروف أصبح غاديا"
ومن معايب الشعر: بُعده عن الواقع إلى حد أن يدفعه العقل لأول نظرة، دون أن يعرض على السامع صورة بديعة من صنع الخيال؛ قال أبو بردة الثقفي: أدركت الناس وهم يزعمون أن أكذب بيت قالته العرب قول أعشى ميمون:
لو أسْنَدَتْ ميتاً إلى نحْرِها ... عاش ولم يُنقل إلى قابرِ
وقال محمد بن يزيد النحوي: أحسن الشعر ما قارب فيه القائل إذا شبَّه، وعدل فيه عن الإفراط. كما قال القائل:
ويمنعها من أن تطير زمامها
أما إذا جاء الإفراط في صورة بديعة الصنعة، فليس به من بأس، ذلك