لأن براعة التخييل تشفع في تجاوزه حد المعقول؛ ومثل هذا قول المتنبي يصف الجياد:
عقدت سنابكها (١) عليها عِثْيَراً ... لو تبتغي عنقاً عليه لأمكنا
ومنها: سوء تصرف الخيال، فيصوغ صورة ينقصها شيء من التناسب، ويظهر هذا في نحو التشبيه والاستعارة؛ ومن أمثلة هذا العيب قول الشاعر:
وخالٌ على خديك يبدو كأنه ... سنى البدر في دعجاء بادٍ دجونها
فإن مقتضى هذا التشبيه أن يكون الخال - وهو أسود - قد وقع مشبَّهاً بسنى البدر، وأن يكون الخد -وهو أبيض- قد وقع في مقابلة الظلماء، فهذه المحاكاة لا يحصل منها ما يريده الشاعر من إظهار الموصوف في صورة رائعة الجمال.
ومما لحقها العيب من ناحية التخييل: قول أبي القاسم بن فرناس يمدح أحد أمراء الأندلس:
رأيتُ أمير المؤمنين محمداً ... وفي وجهه بذْرُ المحبة يثمرُ
فإنه جعل وجه الممدوح موضوعاً للبذر، ووصف ما يبذر بعد بالإثمار، وهذا ما لا يسيغه الذوق السليم؛ ويقال: إن الشاعر لما أنشد هذا البيت، قال له مؤمن بن سعيد: قبحًا لما ارتكبته، جعلت وجه الخليفة محرثًا يثمر فيه البذر! فخجل الشاعر، وما كان جوابه إلا أن شتم الناقد.
وقد يقصد الشاعر في التخييل إلى المدح، فتجيء الصورة الخيالية وهي إلى الهجاء أقرب منها إلى المديح، ويمثل هذا العيب قول الشاعر