عن تشبيه الأغبياء" أورد فيها نبذة من هذه الأشعار الرقيعة، وقال: إنما أكثرت الشواهد مع استثقالنا لحكايتها؛ للتعريف بأمثلتها.
ومن هذا النحو: الأشعار التي تحمل المجنون والفحش من القول، وتزيِّن لقرائها الخنا والخلاعة؛ وإنما ينحدر في هذه الحمأة من لم يتربوا في مهد الأدب الرفيع، ولم تستقبلهم الفضيلة يوم يخرجون من بطون أمهاتهم.
وإن تعجبوا لطائفة من فسقة الشعراء يقتبسون آيات من كتاب الله، ويقصدون بها معاني قبيحة منكرة، فاعجبوا لفئة أخرى يوردون في بعض مؤلفاتهم من هذه الأشعار ما يتصبب له الجبين من الحياء عرقاً.
هذا نموذج من وجوه نقد الشعر، وأكثرها يجري في غير الشعر أيضاً؛ كمخالفة قانون الصرف والنحو؛ ومنها ماله مزيد اختصاص بالشعر؛ كالنقد العائد إلى تصرفات الخيال، أو صناعة النظم، وهذا الوجه من النقد لا يحكم عليه إلا من كان بصيرًا بهذه الصناعة، فضعف النسج - مثلاً -، ونبوّ الكلمة عن موقعها في النظم، وطيش الخيال عن غرض الإجادة في تصوير المعنى، لا يدركه أينما كان إلا شاعر واسع المدى، أو ألمعي قضى دهراً في تدبر أشعار البلغاء.
وإذا حاضرنا في نقد الشعر بعد هذا، فإنما نوجّه العناية إلى الوجوه التي لها مزيد اختصاص بالشعر، ولا نعبأ بما يدركه النحوي أو العروضي أو اللغوي على البداهة؛ فإنه سهل المأَخذ، وفي دراسة العلوم العربية الكفاية.