الشاعر المعروف بكشاجم قد وردها في القرن الرابع، وأقام بها مدة، ثم ارتحل عنها؛ فأخذه إليها شوق شديد، فلم يكن إلا أن عاد إليها، واتخذها دار إقامة، وقال:
قد كان شوقي إلى مصر يؤرقني ... فالآن عدت وعادت مصر لي دارا
ولا يشتاق الأديب إلى وطن إلا أن يكون للأدب في ذلك الوطن نَفاق، ولمقام الأديب فيه نباهة.
وأضيف إلى هذا: أن الأديب إبراهيم الرقيق التونسي أحد شعراء القرن الخامس، زار مصر، فاحتفى به أدباؤها, ولما عاد إلى تونس، قال شعراً يتشوق إلى هؤلاء الأدباء، ومما قال:
هل الريحُ إن سارتْ مشرِّقَةً تسري ... تؤدي تحياتي إلى ساكني مصرِ
فما خطرت إلا بكيتُ صبابةً ... وحمَّلْتُها ما ضاقَ عن حمله صدري
تراني إذا هبَّتْ قبولاً بنشرهم ... شممت نسيم المسك من ذلك النشر
ألا إن الأدب الزاهر إذا لقي فِطَراً سليمة، وأذواقاً صافية؛ كان من ألطف وسائل التأليف بين الأفراد والجماعات:
وقرابةُ الأدباءِ يقصُرُ دونهَا ... عند الأديب قرابةُ الأرحام