أو بعض القبائل، وهجا حسان بعد دخوله في الإِسلام. وسبب هذا الهجاء: أن رهطًا من المشركين كانوا يهجون النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال المهاجرون: يا رسول الله! ألا تأمر علياً فيهجو هؤلاء القوم؟ فقال:"إن القوم الذي نصروا بأيديهم أحق أن ينصروا بألسنتهم"، فقالت الأنصار: أرادنا والله! فأرسلوا إلى حسان فأقبل، وأذن له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في هجائهم. ومن عرف ما كان للشعر من الأثر في نفوس العرب، أدرك أن هجاء المشركين للنبي - صلى الله عليه وسلم - يكون له أثر كبير في الصد عن الدعوة، وصرف النفوس عن قبولها، فلا بد من مدافعة هذا الشعر الهجائي بشعر مثله يبطل أثره، أو يخفف شره. وفي حديث عمار بن ياسر: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لنا:"قولوا لهم كما يقولون لكم"، فهجاء حسان في الإسلام إنما كان دفاعاً لمن اتخذوا الهجاء طريقاً لمحاربة الدعوة إلى الحق، وكذلك قال حسان مخاطباً أبا سفيان بن الحارث:
هجوتَ محمداً فأجبتُ عنه ... وعند الله في ذاك الجزاء
فإن أبي ووالده وعرضي ... لعرضِ محمد منكم فداء
وكان حسان يهجو الأشخاص أو القبائل بالبخل، أو الجبن، أو الغدر، أو اللؤم، أو بنقص العقل، أو الكفر والضلال. وينسب إليه أبيات فيها فحش وإقذاع، وليس من المحتمل أن تكون تلك الأبيات المقذعة التي يحتويها الديوان المنسوب إليه قد صدرت منه بعد دخوله الإِسلام، بل أراها مصنوعة ومنسوبة إليه بغير حق، فإن الإسلام طبع نفوس الصحابة على آداب رفيعة، وسار بهم في سيرة نقية، لو عرضنا عليها هذا الشعر المقذع، رأيناها تدفعه، وحسان من الصحابة الذكره تأدبوا بأدب القرآن، ولازموا مجلس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سنين كثيرة.