بأمريكا قرروا أنها قذى في عين المدنية، وعثرة في سبيل العمران، كان قياسك هذا من قبيل الخطابة.
ثالثها: الشعر، وهو القياس المؤلف من أقوال خيالية، ومثال هذا: أن يزيِّن لك الرجلالخمول والقعود عن الناس في ناحية، فيقول: الخمول أهنأ حياة، وأقرب إلى السلامة من الظهورة فإن عواصف الرياح تحطم الأشجار الشامخة برؤوسهالأولا تمس الشجر القريب من الأرض بسوء. وإنما كان هذا القياس شعراً؛ لأنه لم يزد على أن خيّل إليك الظاهر بالعمل مع الجماعة في صورة ما تصرعه الرياح العاصفة، حتى تاخذك روعة، وتسل يدل من يدهم نفورأوفزعاً. ويمكنك أن تعارض هذا الخيال بخيال مثله، فتقول: الظهور خير من الخمول؛ فإن الثعالب تدوس النبات القريب من الأرض بأرجلها، ولا تصل إلى الأشجار الشامخة إلا أن ترمقها باعينها.
وقد يجتمع في القياس الواحد الشعر والخطابة، ومثال هذا أن تقول: علِّموا البنات تحت ظلال الصيانة والحياءة فإنهن من البنين بمنزلة أعجاز القصيدة من صدورهالأولا يحسن في القصيدة الواحدة أن تكون صدورها محكمة، وأعجازها ضعيفة متخاذلة. وهذا القياس من جهة ما فيه من تخييل شعر، ومن جهة ما يضعه في الثفس من إقناع خطابة. وهذا النوع من الاستدلال هو ما يسميه الباحثون في فلسفة الأدب بالتمثيل الخطابي.
رابعها: السفسطة، وهي القياس المؤلف من أقوال لم تستوف شرائط الإنتاج، ومثاله: أن يقول من في قلبه مرض: إن نبذ اَداب الدين تطوّر من تطورات العصر، وتطورات العصر لا تأتي مقاومتها بشيء. وإنما كان هذا القياس من نوع السفسطة؛ لأن التطورات التي لا تقاوم إنما هي التطورات الناشئة