وممن صرح بأن العرب كانوا يتحدثون عن محاسن الكلام ومعايبه، ويتدارسونها بينهم: أبو الحسن حازم (١) الأنصاري الأندلسي في كتابه "المناهج الأدبية" حين قال:
"لم تكن العرب تستغني بصحة طباعها عن تسديدها وتقويمها، باعتبار معاني الكلم، بالقوانين المصححة لها، وجعلها ذلك علماً تتدارسه في أنديتها، ويستدرك به بعضهم على بعض، وقد نقل الرواة في ذلك الشيء الكثير، لكنه مفرق في الكتب، لو تتبعه متتبع متمكن من الكتب الواقع فيها ذلك، لاستخرج منه علماً كثيراً موافقاً للقوانين التي وضعها البلغاء في هذه الصناعة".
ثم قال:"وكيف يظن ظان أن العرب -على ما اختصت به من جودة الطباع- كانت تستغني في قولها الشعر عن التعليم والإرشاد إلى كيفية المباني التي يجب أن يوضع عليها الكلام، والتعريف بأنحاء التصرف المستحسن في جميع ذلك، والتنبيه على الجهات التي يداخل الخلل المعاني، وأنت لا تجد شاعرًا مجيدًا منهم إلا وقد لزم شاعراً آخر المدة الطويلة، وتعلّم منه قوانين النظم، واستفاد عنه الدربة في أنحاء التصاريف البلاغية".
ومراد حازم بما ينقل من الروايات في هذا الشأن: ما يشبه قصة النابغة حين نقد قول حسان بن ثابت:
لنا الجفنات الغرُّ يلمعن في الضحى ... وأسيافنا يقطرن من نجدة دما
وقال له:"قللت جفانك وأسيافك".
(١) قال فيه أبو حيان: لا نعلم أحداً ممن لقيناه جمع من علم اللسان ما جمع، ولا أحكم من معاقد البيان ما أحكم من منقول ومبتدع.