هذا ما يصرح به أحد جهابذة البيان مستنداً إلى الروايات الكثيرة، ومقتضاه: أن الحديث في صناعة البيان قد بدئ في عهد الجاهلية، وليس في قوانين النظر، ولا في سنن نشء العلوم ما يقضي بامتناعه، فإذا كان الكلام العربي تقلب في أطوار البلاغة، وخرج في زينة البيان منذ عهد الجاهلية، فما الذي يمنع الطبقة المستنيرة الممتازة منهم أن يتحاوروا في هذا الذي يتنافسون في حلبته، ويراعونه عندما يفضلون شاعرًا على شاعر، أو خطيباً على خطيب؟.
ويذهب ذلك المحاضر إلى ان البيان العربي إنما نشأ عند علماء الكلام، فقال:
"وكما أن البيان اليوناني بعد نشأته في القرن الخامس قبل المسيح قد أخذ يتطور شيئاً فشيئاً بفضل المعلمين والمؤدبين قبل أن يصل إلى أن يكون علماً منظمًا توضع له القواعد، وتؤلف فيه الكتب، كذلك كان البيان عند العرب. فبعد أن نشأ عند المتكلمين أخذ يتطور شيئاً فشيئاً قبل أن تؤلف فيه الكتب، وتوضع له القواعد الفنية". وقال:
"لم ينشأ علم البيان عند العرب من الشعر، إنما نشأ من النثر حين ظهرت مذاهب الكلام عند المسلمين، وأخذ كل فريق منهم ينتصر لرأيه، ويأخذ على مناظره الحجة، ويعد عليه سقطته في اللفظ والمعنى".
لننظر في معنى نشأة العلم، أيراد بها: مبدأ الحديث عما يعده في مباحثه، ويدخل في موضوعه؟ أم يراد بها: حالة ما يأخذ الناس في وضع قواعده وجمع مسائله؟.
لا يصح للمحاضر أن يريد الوجه الأول، ويعني بنشأة البيان عند المتكلمين: