يقول ذلك المحاضر:"إن الجاحظ لم يقتصر في وضعه لأصول علم البيان على علماء الكلام، بل أخذ عن الفرس والعجم، بفضل ما كان هناك من اتصال بين الأمة العربية وبين الأمم الأخرى بواسطة الترجمة". وقال:"هذه القواعد التي ذكرت في "البيان والتبيين" لم يأخذها الجاحظ عن المتكلمين وحدهم، أو أن المتكلمين لم يخترعوها اختراعاً من عند أنفسهم، وإنما تأثروا فيها بما كان يصل إليهم من الفلسفة والبلاغة اليونانية".
هل يستطيع المحاضر أن يثبت أن في الكتب المنقولة إلى العربية كتاباً في أصول البيان اليوناني أو الفارسي غير كتابي "الخطابة"والشعر، لأرسطو؟ أو يستطيع أن يثبت أن الجاحظ عرف بيان اللسان اليوناني أو الفارسي، فاستمد منه فيما وضعه من أصول البلاغة العربية؟.
ولم يأت الجاحظ في كتابه بما فيه رائحة البيان اليوناني أو الفارسي إلا نحو ما رواه له الكاتبان: أبو الزبير، ومحمد بن أبان في حد البلاغة عند الفرس واليونان، وهذا لا يقتضي أن البيان العربي مأخوذ من البيان اليوناني، وإن هي إلا كلمة وقعت إلى الجاحظ على طريق هذين الكاتبين كما وقعت إليه كلمة في حد البلاغة عند أهل الهند. وقد ذكر المحاضر في محاضرته الثانية أن الجاحظ يجهل أن لليونان خطابة وشعرًا، فقال: إن الجاحظ حين جعل الخطابة والشعر من خصائص العرب، وقال عن اليونان: إنهم أهل منطق، كان يجهل أن عند اليونان خطابة وشعرًا، ولم يقرأ كتاب أرسطاطاليس في الخطابة والشعر، ولو قرأه، لما قال ذلك عن العرب واليونان.
وممن كتبوا في آداب اللغة، ونشؤوا في عهد الجاحظ: عبد الله بن قتيبة المتوفى سنة ٢٦٧، وقد تكلم في شيء من فنون البيان، كما نبه على المجاز