للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

محاورات أدبية، فتحرك داعية النظم لأن أقول البيت أو البيتين أو الثلاثة.

ولقلة إقبالي على نظم الشعر، أو لأنني كنت أرى أن ما أنظمه منه ليس أهلاً لأن يحتفظ به، لم يصحبني منه عندما رحلت (١) من تونس إلى الشام غير شذرات علقت بذاكرتي، أو شذرات وجدتها مبعثرة في كتب استصحبتها في رحلتي.

نزلت دمشق وللشعر فيها سوق غير كاسدة، ولكني آثرت أن أصرف القريحة في البحث العلمي، أو في العمل للقضية الإِسلامية، بقدر ما أستطيع، وربما نزعت نفسي إلى أن أقول شعراً، فأرخي لها العنان، وأقول: هو فن من فنون الأدب الجميل، وللنفس فيه سلوة، ولا سيما شعراً أطرقُ به ناحية خلقية، أو أشارك به العاملين لإصلاح الحالة المدنية، أو أودعه صورة معنى لا أذكر أني لمحته فيما طالعته من المنشآت الشعرية أو النثرية.

ثم هبطت مصر (٢)، وكانت صناعة القريض قد ارتقت فيها إلى ما يطمح إليه الشاعر العبقري، فازددت زهدًا في النظم، وقلت يومئذ: أَجوده ليس في متناول قريحتي، وغير الأجود تتسامى عنه همتي، وربما خطرت لي صور من المعاني في أوقات أبتغي فيها راحة، فألبسها ثوياً من الكلام الموزون.

ولم يلم بخاطري في يوم أن أجمع ما نظمته، وأخرجه للناس، حتى اقترح عليّ طائفة من إخواني الفضلاء أن أجمعه من أوراقه المتفرقة، وأصدره إلى عالم الأدب في صفحات متتالية، فما وسعني إلا أن تقبلت اقتراحهم، وقلت: هو كلام موزون، إن لم يجد فيه الأديب ما يروقه من لفظ أنيق، أو


(١) خلال شهر كانون الأول ١٩١٢ م الموافق ١٣٣١ هـ.
(٢) عام ١٣٣٩ هـ، ١٩٢٠ م.