للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وكَيفَ يَرومُ الصَّحْبُ مِنِّي تَصَبُّراً ... ومَركَبَةٌ حَدْباءُ أَرْسَتْ بِمِيناكِ (١)

وكنْتُ أُلاقي كُلَّما جِئْتُ مُؤنِساً ... فَمالي أُلاقي الْيَوْمَ صَيْحةَ مَنْعاكِ

حَنانَيْكِ هَلْ ساءَتْكِ مِنِّي خَليقَةٌ ... فَأَنْكَرْتِ دُنيانا وآثَرْتِ أُخْراكِ (٢)

وكُنْتُ أُعَزِّي النَّفْسَ مِنْ قَبْلُ أَنَّني ... أَفوتُ قَريرَ المُقْلَتَيْنِ بِمَحْياكِ (٣)

ولَمْ أَدرِ ما طَعْمُ المَنونِ فَذُقْتُهُ ... مَساءَ لَفَظتِ الرُّوحَ والعَيْنُ تَرْعاكِ

هَوى بِكِ بَيْنٌ لَسْتُ أَرْجو وَرَاءَهُ ... زَماناً يَجودُ الدَّهرُ فيهِ بِمَرْآكِ

فَهَيْهاتَ أنْ أَنْساكِ ما عِشْتُ والأَسَى ... يَموجُ بِقَلْبي ما جَرَتْ فيهِ ذِكْراكِ (٤)

وهَيْهاتَ لا أَنْسى مَواطنَ كُنْتِ لي ... مُسَلِّيَةً لا أُنْسَ إِلَّا بِمَغناكِ (٥)

ولَوْلاكِ لَمْ أَقْضِ الْيراعةَ حَقَّها ... كَأَنَّ نسَيبجَ الْفِكْرِ حِيكَ بِيمُنْاكِ (٦)

لَقَدْ صُنْتِ في الحالَيْنِ عَهْداً فَلا أرى ... لَدى عُسْرَةٍ إلَّا انْطلاقَ مُحَيَّاكِ (٧)

وأَنْتِ الَّتي حَبَّبْتِ لي الْعَيْشَ بَعْدَما ... سَئِمْتُ فَطيبُ العَيْشِ بَعْضُ مَزْاياكِ

وإنْ سامَني يَوْمٌ شَكاةً تَدَفَقَّتْ ... دُموعُكِ مِنْ جَفْنٍ يُخالُ هُوَ الشَّاكي (٨)


(١) المركبة الحدباء: النعش.
(٢) حنانيك: تحن عليَّ مرة بعد أخرى. الخليقة: الطبيعة. آثرت: فضَّلت.
(٣) قرير المقلتين: من السرور. المحيا: الحياة.
(٤) هيهات: اسم فعل بمعنى بَعُدَ.
(٥) مسلية: يقال سلّى فلاناً عن همه: كشفه عنه، وجعله يسلوه. المغنى: المنزل.
(٦) قضى الشيء: صنعه بإحكام. اليراعة: القصبة، ويقصد بها القلم.
(٧) في الحالين: أي: اليسر والعسر.
(٨) الشكاة: المرض.