هو حال الاختلاف بين اللغتين في عهد يتقدم ظهور الإسلام بعشرات من السنين، فنحن لا نرى ما يقف أمامنا إذا قلنا: إن الاختلاف بين اللغتين قد خف لذلك العهد، وزال منه جانب من الفوارق، ولم تبق القحطانية من العدنانية بمكان بعيد.
والذي جعل اعتقادنا يدنو من هذه النظرية وهي خافضة جناحها: أن قبول اللغة القحطانية لأن تتحد مع اللغة العدنانية بعد ظهور الإسلام لا يكون إلا عن تقارب وتشابه هياهما لأن يكونا لغة واحدة؛ فإن انقلاب لغة إلى أخرى تخالفها في مفرداتها وقواعد نحوها وصرفها ليس بالأمر الميسور، حتى يمكن حصوله في عشرات قليلة من السنين.
يقولون: إن بعض هذه المخطوطات كان من آثار المئة الخامسة بعد المسيح، وهذا لا يخدش فيما نراه قريباً، بل لا يقف في سبيلنا أن يكون هؤلاء المنقبون قد عثروا على أثر مخطوطافي أواسط المئة السادسة بعد المسيح، فاللغتان كانتا في تباعد، والشواهد قائمة على أنهما قد أخذتا في التقارب من قبل أن يطلع في أفقهما كوكب الإسلام. ومن السهل علينا أن نفهم أن تقرب اللغة القحطانية من اللغة العدنانية لم تبتدئ به قبائلها في عهد واحد، بل سبقت إليه القبائل المجاورة للعدنانية، ثم أخذ يتدرج فيما وراءها من القبائل رويداً رويداً إلى أن أدركها الإسلام، فخطا بها تلك الخطوة الكبرى، فالوقوف على أثر مخطوط قبل الإسلام بنحو مئة سنة أو ما دونها، إنما يدل على أن سكان الناحية التي انطوت على هذا الأثر لم يزالوا على لسان حمير القديم، وهذا لا ينفي أن يكون غيرها من القبائل القحطانية قد ارتاضت ألسنتهم بلغة تشبه اللغة العدنانية في نحوها وصرفها،