إسماعيل، فإني أجعله أمة؛ لأنه نسلك"، وجاء في حديثها عنه: "وسكن في برية فاران"، وفاران جبال بالحجاز، قال المرتضى في "شرح القاموس": وإليها ينسب أبو الفضل بكر بن قاسم الفاراني المتوفى سنة ٢٧٧ هـ، وفرج ابن سهل الفاراني المتوفى سنة ٢٣٨ هـ. وغير العرب يقولون: إنها برية، أو جبل عند العقبة في جزيرة سيناء. وقد سلك جرجي زيدان مسلك التوفيق بين القولين، فقال في "تاريخ العرب قبل الإسلام": "ويسهل تطبيق الروايتين متى علمنا أن جبال مكة أو جبال الحجاز تسمى أيضاً: "فاران"، فيكون المراد: أن البرية التي أقام فيها إسماعيل برية الحجاز، أو أنه أقام حيناً في سينا، ثم خرج إلى الحجاز، وسكن هناك، وتزوج" (١).
وذكرت التوراة أن إسماعيل حضر لدفن أبيه إبراهيم - عليه السلام -، فقالت: "ودفنه إسحاق وإسماعيل ابناه في مغارة المكفيلة"، وليس في هذا ما يعترض قصة هجرته ونزوله بمكة؛ لأن التوراة كما قال جرجي زيدان: "لم تذكر إسماعيل بعد خروجه من بيت أبيه إلا عند حضوره دفنه على عادتها من الاختصار فيما يخرج عن تاريخ أمة اليهود أو ديانتها".
وإذا لم يوجد في المنقول ما ينفي هجرة إبراهيم وإسماعيل إلى الحجاز، تبينا أن المؤلف إنما دخل لإنكار القصة من طريق العاطفة المضادة للإسلام وحدها، ولم يزد على أن غمرها بالإنكار، وادعاء أن اليهود اصطنعتها للعرب، ولم يزد على أن اتهم صاحب الرسالة - صلى الله عليه وسلم - باستغلالها واتخاذها حيلة لتأليف أهل الكتاب.
فحديث المؤلف عن هذه القصة يرجع إلى معنى أن اليهود اصطنعوها