الجاهلي؛ لأن العرب لم تكن تكتب شعرها بعد، وإنما كانت ترويه حفظاً. فلما كان ما كان في الإسلام من حروب الردة، ثم الفتوح، ثم الفتن، قتل من الرواة والحفاظ خلق كئير. ثم اطمأنت العرب في الأمصار أيام بني أمية، وراجعت شعرها، فإذا كثره قد ضاع، وإذا أقلّه قد بقي".
بحث (مرغليوث) في طريق تلقي هذا الشعر الجاهلي، فقال: أول ما نسأل عنه: طريق وصول هذا الشعر إلى الرواة؛ هل هو الرواية حفظاً، أم الكتابة؟ والرأي الأول هو الذي يذهب إليه الجمهور، وينقلون عن الخليفة الثاني: أنه قال: "تشاغل العرب عن الشعر وروايته في صدر الإسلام بالجهاد، ولما جاءت الفتوح، واطمانت العرب، راجعوا رواية الشعر، فلم يؤُولوا إلى ديوان مدوّن، ولا كتاب مكتوب، وألفوا ذلك، وقد هلك من العرب من هلك بالموت والقتل، فحفظوا أقل ذلك، وذهب عنهم منه كثير".
ثم قال (مرغليوث) منتقداً هذا المقال الذي يعزى إلى عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: "من العبث نسبة هذا القول للخليفة الثاني؛ لأن زمن السلم لم يحن إلا في عهد الأمويين؛ أي: بعد موته بثلاثين سنة". ثم قال: "وبقاء قصائد تروى حفظاً غير متيسر، إلا إذا كان هنالك أشخاص وظيفتهم حفظها، وتعليمها لغيرهم باستمرار، وليس لدينا أي دليل على أن هنالك أشخاصاً يقومون بهذه الوظيفة، كما أنه من المستحيل أن ينجوا من حروب الفتوحات الإسلامية الأولى".
وهذان النقدان من صنف آراء "كتاب في الشعر الجاهلي". والأول مدفوع بأنه يكفي في صحة المقال فتح الشام والعراق والفرس ومصر، وذلك كله مما تم في عهد الخليفة الثاني، وقد اقتصر في المقال على هذا، فقال: