فشبهة (مرغليوث) مدفوعة بأن القرآن إنما ينفي عن المشركين أن يكون لهم كتاب حكمة وهداية، وهذا لا يناقضه أن تكون لهم أشعار مخطوطة تحتوي على غزل أو فخر، أو مديح أو هجاء، أو وقائع حروب.
وصفوة البحث: أن الشعر العربي كان يُتلقى بالرواية حفظاً، ومن المحتمل أن يصل شيء منه إلى الرواة على طريق الكتابة، فقد رأيتم المؤلف يعترف بما رواه صاحب "الأغاني" من أن الأنصار كانت تكتب أشعارها، وحكى ابن جني في "الخصائص"(١): أن النعمان بن المنذر أمر، "فنسخت له أشعار العرب في الطنوج، قال: وهي الكراريس، ثم دفنها في قصره الأبيض، فلما كان المختار بن أبي عبيد، قيل له: إنّ تحت القصر كنزاً، فاحتفره، فأخرج تلك الأشعار". ولكن (مرغليوث) رأى ابن جني يسند هذه القصة إلى حمّاد الرواية، فقال:"إذا كان مصدر هذه الرواية حمادًا الرواية، فإنه لم يقصد بها إلا أن يظهر للناس أنه يعرف من أشعار الجاهلية ما لا يعرفه غيره".
وقد أورد ابن سلام في "طبقات الشعراء" ما يوافق هذه القصة، ولم يسندها إلى راوٍ بعينه، فقال:"وقد كان عند النعمان بن المنذر منه - الشعر- ديوان فيه أشعار الفحول، وما مدح به هو وأهل بيته، فصار ذلك إلى بني مروان، أو ما صار منه".
فمن يعتدّ بهذه الآثار يرى أن من الشعر العربي ما وصل إلى الرواة على طريق الكتابة، فإن لم تكن بالغة مبلغ ما يعبأ به، فإن اعتياد العرب