للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وعدل عن الخطاب، فلم يقل: عليكم، ووضع للمتقين موضع ضمير الخطاب؛ تأكيداً للأمر بالوصية؛ إذ يشعر أن القيام بالوصية، والمحافظة عليها من شعائر المتقين، فمن أهملها، فقد رضي لنفسه الحرمان من الدخول في صفوفهم، وفاته أن يحشر يوم القيامة في وفدهم.

وردت هذه الآية في الوصية للوالدين والأقربين، والمعروف عند الأمة منذ عهد السلف أن الوصية لا تصح لوارث، والوالدان لهما نصيب مفروض في المواريث، ومقتضاه: عدم صحة الوصية لهما؟.

ويزيح هذا الإشكال من طريق التفسير: أن فريقاً من أهل العلم -وهم جمهور المفسرين- ذهبوا إلى أن آية الوصية قد نسخ منها حكم الوصية للوارث. وإيضاح وجه النسخ: أن آية المواريث نزلت بعد آية الوصية. فقامت مقامها في الوصية للوارث، ودل على هذا المعنى صراحة: الحديث الشريف، وهو قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله أعطى كل ذي حق حقه، ألا لا وصية لوارث". وهذا الحديث -وإن لم يبلغ مبلغ الحديث المتواتر الذي يصح نسخه للقرآن بنفسه- قد امتاز عن بقية أخبار الآحاد بأن الأمة تلقته بالقبول، وأخذوا في العمل به من غير مخالف، فأخذ بهذا قوة الحديث المتواتر في الرواية، واعتمدوا عليه في بيان أن آية المواريث قامت بتقدير الأنصباء في الميراث مقام آية: {إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ} في الوصية للوارث.

وروى البخاري في "صحيحه" عن ابن عباس - رضي الله عنه -: "كان المال للولد، وكانت الوصية للوالدين، فنسخ الله من ذلك ما أحب، فجعل للذكر مثل حظ الأنثيين، وجعل للأبوين لكل واحد منهما السدس، وجعل للمرأة الثمن والربع، وللزوج الشطر والربع".