للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومن أهل العلم من لم يستطيعوا أن يهملوا حديث: "لا وصية لوارث"؛ لاستفاضته بين الأمة، وتلقيهم له بالقبول، فقرروا العمل به، وأبطلوا الوصية لوارث، ولكنهم ذهبوا -مع هذا- إلى أن آية الوصية للوالدين محكمة غير منسوخة، وتأولوها على وجوه، منها: أن المراد من قوله: {لِلْوَالِدَيْنِ}: الوالدان اللذان لا يرثان لمانع من الإرث؛ كالكفر، والاسترقاق، وقد كانوا حديثي عهد بالإسلام، يسلم الرجل، ولا يسلم أبواه، وقد أوصى الله بالإحسان إليهما.

{فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ مَا سَمِعَهُ}:

{بَدَّلَهُ}: غيره، وتغيير الإيصاء: بالزيادة في الموصى به، أو النقص منه، أو تغيير صفته، أو كتمان الوصية من أصلها. ومن يتوقع منهم تبديل الوصية: هم الأوصياء والشهود. وسمعه: علمه وتحققه. والضمير المنصوب في قوله: {بَدَّلَهُ} عائد على الإيصاء المفهوم من الوصية، وهو الإيصاء الواقع على الوجه المشروع، ولهذا جاء مذكراً.

وإيضاح هذا: أن من الأصول التي قررها الباحثون في مزايا اللغة العربية وأسرار بلاغتها: أن اعتناء العرب بالمعاني المبثوثة في الخطاب هو المقصود الأعظم، ويرون أن الألفاظ إنما هي وسيلة إلى تحصيل المعنى، فلا مانع عندهم من أن يخرجوا على القانون المطرد ما دام المعنى المراد مستفاداً على الوجه الاكمل، ويصير هذا الوجه المخالف لما هو الظاهر داخلاً في أساليب البلغاء منهم.

والقرآن يجري في مثل هذا على ما يجري عليه البلغاء، فهم يراعون ما تقتضيه الألفاظ في أكثر كلامهم، وقد يراعون ما يقتضيه المعنى؛ كأن