وجود الجن حقيقة دلت عليها الآيات المحكمات، وليس في استطاعة من لا يؤمن بهذه الآيات أن يقيم دليلأ على نفيهم، ولو أصبحت عقليته غربية بحتة! وبُعث (ديكارت)، فابتدع له منهجًا أقرب من هذا المنهج وأجلى.
إن العقل وحده لا يستطيع أن يثبت كائناً يقال له الجن، كما أنه لا يستطيع نفيه بحجة، فوجود هذا الكائن خارج في نفسه عن حد الواجب والممتنع، وماذا بعد الواجب والممتنع إلا الإمكان؟ وما كان من قبيل الممكن في نفسه قد يدل على تحققه ما قام البرهان على صدقه، وهل بعد نبوة محمد - عليه الصلاة والسلام - من برهان؟! وإن شئت مزيد غَوص في هذه النظرية، فإليك السبيل:
إن للعلم الذي يعبر عنه باليقين معنيين:
أحدهما: ما ثبت على وجه لا يجيز العقل خلافه، ولو في صورة الاحتمال المجرد؛ كالاعتقاد بأن الكل أكبر من الجزء، وأن لهذا العالم صانعاً حكيماً. فكل ما يتهافت من الاحتمالات المخالفة لهذا الاعتقاد يجد من الدلائل النظرية ما يطرده، ولا يبقي له في ساحة التعقل باقية.
ثانيهما: اعتقاد بأمر لا يقوم في جانب خلافه احتمال يستند إلى مأخذ دليل أو أمارة، ولكن الاحتمالات المجردة عن المقتضيات ليس للعقل قوة على دفعها. وتجرد الاحتمال المقابل للمعلوم من الدلائل والأمارات لا يكفي في امتناع وقوعه، وجعل هذا المعلوم أمراً لا يتحول أو يطرأ عليها تغيير، بل لا بد من إقامة دليل خاص على أن هذا الأمر المعلوم أمر حتم، وأن خلافه ضرب من المحال الذي لا تتصور العقول وقوعه بوجه. واليقين بالنظريات