التجريبية لا يخرج عن هذا النوع الذي لا يرتفع عنه إمكان التغيير، بل قد تغيره يد الإبداع عند ما تريد إقامة المعجزة على سنّة غير مألوفة.
أتى على الإنسان حين من الدهر، وهو يعتقد أن الضياء الساطع في ظلام الليل لا يكون إلا من طلعة القمر، أو من لهب النار، فإذا آنس تحت جناح الليل نوراً يتألق بمكان بعيد، لم يرتب في أنه بهرة قمر، أو شعلة نار، وهذا الاعتقاد لا يبلغ في اليقين درجة اعتقاده بأن العرض؛ كالحمرة والبياض لا يستقل بنفسه، فإن هذا الاعتقاد الأخير مبني على أن ماهية العرض تقتضي بطبيعتها ألّا تبرز إلى الخارج إلا في محل وهو الجرم، فيدرك العقل بالضرورة أن البياض أو السواد لا ينفرد عن المادة، ويقضي بذلك قضاء لا يحوم حوله احتمال، وأما يقينه بأن ذلك الضياء نار أو قمر، فقائم على التجربة فقط، فلا يخلو من احتمال أن يكون الضوء غير قمر أو نار، إلا أنه احتمال لم يكن له في العهد المتقدم وجه من النظر حتى يحل من اليقين الذي عقدته التجربة، وقد أصبح ذلك الاحتمال اليوم متحققاً في العيان حيث انضم إلى القمر والنار عنصر من عناصر الإنارة، وهي الكهرباء.
فلو لم يخترع الفيلسوف التنوير بالنار، وكان فيما نقل من معجزات الرسل إنارة بعض الأجرام من غير أن تمسه النار، لقال الذين في قلوبهم مرض: إن الإنارة إنما تنشأ عن لهب النار، ولا سبيل إلى تحقق الأثر متى فقد سببه.
زعم بعض المرتابين في المعجزات: أن قطع المسافة البعيدة كما بين المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى في ليلة واحدة أمر لا يحتمله الإمكان، ولا يتقبله العقل، ولو ناظرتهم في وجه الامتناع عقلاً، لم يكن منهم سوى