أن يحيلوك على المشاهدة، ويقولوا: إنا نرى أن أسرع الأجسام تنقلاً يقضي في قطع تلك المسافة ليالي وأيامًا. وهذا الأمر الذي كانوا يذكرونه بوصف المحال قد كشف العلم الصحيح عن إمكانه، وأخرجه للناس في جملة الكائنات المبصرة. وإذا تمكن المخلوق باختراع الطيارة أن يجعلك تقطع المسافة البعيدة في مدة وجيزة، فماذا يكون شأن قدرة الخالق التي هي أبدع تقديراً، وأحكم صنعاً؟!.
وكان أشباه الفلاسفة يعتقدون أن الوزن من خصائص ما يوصف بالخفة والثقل من الأجسام، وقالوا: لا نفهم لوزن الأعراض معنى؛ إذ ليس من المعقول تناولها من معروضاتها، ووضعها في كفة ترتفع تارة، وتنخفض مرة أخرى، وما راعهم إلا أن صنع الفيلسوف ميزان الحرارة والبرودة، وأراهم أن وزن الأعراض من قبيل الممكنات، وأن للوزن طرقاً غير ما تعرفه الباعة في الأسواق.
يهون علينا أن يقف عبّاد الطبيعة موقف المطالب ببرهان على وجود الخالق، أو إثبات الرسالة، ولكن الذي يثير العجب في نفوسنا، ويحشرهم في زمرة المستضعفين من الرجال والولدان، أن يخرجوا في زي الفلاسفة، ويمسحوا ألسنتهم بطلاء من المنطق، ثم لا يلبثوا أن يصفوا كل ما لا تناله حواسهم بكونه محالًا، ويزعموا أن صدر الفلسفة يضيق عن احتماله، كأن دائرة الإمكان والفلسفة لا تسع إلا ما يرد إليها من طريق الحس والتجربة.
كشف فيلسوف هذا العصر الغطاء عن كعير من الحقائق التي كانت أذناب الفلاسفة تعجل إلى إنكارها، ولا تبالي أن تلقبه باسم ما لا يكون.
ولو قال النبي - عليه الصلاة والسلام -: إن في هذا الماء الذي