ولا يصح أن يكون - عليه الصلاة والسلام - قد تعلَّم كتب اليهود والنصارى، ومذاهب بين بين في خلوة، وعلى حين غفلة من قومه، فإن تلقي بعض الكتب في خفاء قد يمكن للرجل الغريب في مدينة لا يعرفه فيها إلا بضعة أشخاص يلاقونه في الشهر، أو في الأسبوع، أو في اليوم مرة أو مرتين، أما رجل ذو عشيرة، وذو مزايا تلفت له الأنظار، وتجذب له القلوب؛ كمحمد بن عبد الله - صلى الله عليه وسلم - ينشأ في بلدة لها طرق محدودة، وبيوت معدودة كمكة، فليس من المقبول أن يتمكن من التردد على مواطن يختلي فيه بيهودي أو نصراني دون أن يشعر به أحد من قومه أو عشيرته الأقربين.
وليس من المعقول أن يقال: قد وقعت إلى يده نسخة من التوراة، وأخرى من الإنجيل؛ لأنهما لم يخرجا إلى لسان العرب بعد، ولا يقرؤهما إلا من درس اللغة العبرية، ولو درس النبي - عليه الصلاة والسلام - تلك اللغة، وعرف كيف يقرأ حروفها الهجائية، لما عرج القرآن على وصفه بالأمية، ولما ظل النبي - صلوات الله عليه - يتلو آياتها، والناس يشهدون ويؤمنون.
إن رجلاً له أولو قربى يجاورونه، وطائفة من غيرهم يعرفونه أو يصادقونه،
لا يمكنه أن يتعلم علماً أو لساناً دون أن يشعر له أحد منهم، ولو اجتهد في
أن يكتم أمره، ويسد في وجوههم كل سبيل.
هذا شأنه قبل البعثة، أما زعمُ تعلّمه لما في التوراة والإنجيل، ومذاهب بين بين بعد قيامه بالدعوة، فبطلانه أشد بداهة، إذ لا يلائم حكمه القائم بتلك الدعوة المؤزّرة بكل جد وحزم أن يجادل اليهود والنصارى، ويشتد بينه وبينهم الخصام، ثم يطلب لديهم علم التوراة والإنجيل، ولو طلب لديهم ذلك، لأقام في سبيل دعوته عقبة كؤوداً، فقد أصبح بعد ظهوره