للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكيف يقتنع القدماء وأكثر المحدثين بن الأمة العربية كلها شاعرة، وهذا ابن سلام يقول عن إسحاق: "فكتب في السير من أشعار الرجال الذين لم يقولوا شعراً قط"؟.

وما كانوا يرون أن كل عربي يصرف همه إلى القول، فإذا هو ينساق إليه انسياقاً، فهذا ابن جني يقول في كتاب "الخصائص": (١) "وليس جميع الشعر في القديم مرتجلاً، بل قد يعرض لهم فيه الصبر عليه، والملاطفة له، والتلوم على رياضته وإحكام صنعته نحو ما يعرض لكثير من المولدين".

وروى الأصمعي في شرح ديوانه: أن ذا الرمة يقول: "من شعري ما ساعدني فيه القول، ومنه ما أجهدت فيه نفسي (٢) ". وروى أن زهيرًا كان ينظم القصيدة في شهر، وينقحها في سنة، وكانت تسمى قصائده: حوليات زهير (٣). ويروون عن العجاج أنه قال: لقد قلت أرجوزتي التي أولها:

"بكيت والمحتزن البكي"

وأنا بالرمل، فانثالت عليَّ قوافيها انثيالاً، وإني لأريد اليوم دونها في الأيام الكثيرة، فما أقدر عليه. وقال الفرزدق: أنا عند الناس أشعر الناس، وربما مرت علي ساعة ونزعُ ضرسي أهون علي من أن أقول شعراً.

إذا كان القدماء هم الذين رووا لنا هذه الآثار الدالة على أن من العرب من لم يقل الشعر قط، وأن منهم من ينظم القصيدة في شهر، أفيسوغ اتهامهم


(١) (ج ١ ص ٣٣٠).
(٢) "خزانة الأدب" (ج ١ ص ٣٧٩).
(٣) "خزانة الأدب" (ج ١ ص ٣٧٦).