للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بأنهم يعتقدون أن الأمة العربية كلها شاعرة؟!.

ولعل المؤلف استند فيما اتهم به القدماء إلى مقال أنشاه الجاحظ في بيان مزايا العرب، داليك بعض هذا المقال (١): "وكل شيء للعرب فإنما هو بديهة وارتجال، وكأنه إلهام، وليست هناك معاناة ولا مكابدة، ولا إجالة فكرة، ولا استعانة، وإنما هو أن يصرف همه إلى الكلام، وإلى رجز يوم الخصام، أو حين يمتح على رأس بئر، أو يحدو لبعير، أو عند المقارعة والمناقلة، أو عند صراع، أو في حرب، فما هو إلا أن يصرف همه إلى جملة المذهب، وإلى العمود الذي إليه يقصد، فتاتيه المعاني إرسالاً، وتنثال عليه الألفاظ انثيالاً".

ونحن ندفع هذا بأنه كلام الجاحظ، وليس الجاحظ إلا واحداً من القدماء، وإن سلمنا أن الجاحظ هو كل القدماء، فهو إنما يرد على الشعوبية، فكان مقاله بمنزلة خطبة، أو قصيدة أنشئت للمديح والفخر، وهم يجيزون في فن المديح من المبالغة ما لا يجيزون مثله للكاتب الذي يبحث في التاريخ.

ثم إن الجاحظ لم يقل: كل عربي شاعر، وإنما قال: كل شيء للعرب فإنما هو بديهة وارتجال، ويكفي لصدق هذا أن يكون شاعرهم ينظم ارتجالاً، ومن يخطب ولا يشعر يلقي الخطبة ارتجالاً، ويشهد بما نصف قوله في كتاب "البيان والتبيين" (٢): "وفي الشعراء من يخطب، وفيهم من لا يستطيع


(١) البيان والتبيين.
(٢) (ج ص ١١٧).