القصص في انتحال الشعر خدعوا أيضاً؛ فلم يكن صناع الشعر جميعاً ضعافاً، ولا محمقين، بل كان منهم ذو البصيرة النافذة، والفؤاد الذكي، والطبع اللطيف، فكان يجيد الشعر، ويحسن انتحاله وتكلفه، وكان فطناً يجتهد في إخفاء صنعته، ويوفّق من ذلك إلى الشيء الكثير".
يعرف الناس أن في العلوم قطعيات، وفيها ظنيات تتفاوت. ومن الظن ما يقوى حتى يقرب من اليقين، ومنه ما يضعف، فيكاد يتصل بالشك. ويعلمون أن من أصول العلم ما لا يعتد به إلا إذا قام على يقين، ومنها ما يكفي فيه الظن القريب من العلم، ومنها ما يكفي فيه احتمال الثبوت، ولو لم يرجح على الشك إلا بمثقال ذرة، والعلوم الأدبية لا تأبى أن يكون في مسائلها شيء من هذا القبيل.
فإذا قبل بعض أهل العلم شعراً يضاف إلى العرب، فليس معنى هذا القبول أنهم تيقنوا أو ظنوا ظناً قريباً من العلم أن هذه الإضافة صحيحة، بل لأنهم نقدوه، فلم يتراء لهم دليل على وضعه، وأصبح احتمال الوضع إزاء احتمال الصحة أخف وزناً. وإذا خطر على بالهم أن يكون الراوي ماهراً في التظاهر بالاستقامة، وبارعاً في تقليد الشعر العربي إلى حيث يخفى على الناقد النحرير، أعرضوا عن هذا الخاطر؛ لأنه يفضي إلى رفض كل أثر أدبي لم يجيء من طرق متعددة.
يعلم كثير الملاحظة لما يؤثر عنهم في نقد الشعر: أنهم كانوا يرددون أنظارهم في الأشعار القديمة والحديثة، حتى يتربى لطائفة منهم أذواق تفرق بين شعر هذا العصر وذاك العصر، وتميز بين نسج النابغة -مثلاً-، ونسج حسّان بن ثابت، وتدرك أن هذا أرسلته القريحة بفطرتها، وهذا عمدت إلى