الذي شأنه أن توجد فيه مشقة. وقد اختلف الفقهاء في تقديره، فقدره طائفة من الأئمة بمسير ثلاثة أيام، وقدره آخرون بمسير يومٍ السيرَ الوسط، فمن أخذ في سفر يقدر بمسير يوم على الدواب السيرَ المعتاد، يباح له الفطر، وإن قطع تلك المسافة في زمن أقل من يوم؛ كراكب سيارة أو طائرة. ومعنى الآية: فمن كان منكم مريضاً، أو مسافراً، فأفطر، فالواجب عليه متى برئ من مرضه، أو انقطع سفره، صيام أيام بعدد ما أفطر فيه من أيام رمضان.
ذهب بعض أهل العلم إلى أن هذه الآية نزلت عند ابتداء فرض الصيام على وجه الرخصة، فكان الناس مخيَّرِين بين الصيام والفدية، ثم نسخ التخيير بقوله تعالى:{فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ}، ورويت آثار صحيحة عن السلف في هذا المعنى.
ولعل وجه القول بنسخ هذه الآية: هو أن الشارع لم يرد إرغام العباد على الصوم وهم يستكبرون مشقته، ويستصعبون القيام به، فخيرهم بينه وبين الفدية، ولما استبان لهم أن مشقته على المؤمن بحق غير فادحة، وتتابعوا على الصيام مؤثرين له على الفدية، نسخ التخيير الذي تضمنته الآية، وبقيت الآية تتلى ليعرف منها أن الشريعة تأخذ في تشريعها مأخذ الحكمة، وتسلك مسلك التدريج في تقرير الأحكام التي يحتاج المكلف في احتمال مشقتها إلى عزيمة نافذة.
وأنكر آخرون من أهل العلم أن تكون الآية منسوخة، وقالوا: الإطاقة في قوله تعالى: {يُطِيقُونَهُ} بمعنى: القدرة على الصيام بتكلف شديد، وحملوا قوله تعالى:{وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ} على أصحاء يستطيعون الصوم،