وقد عرفت أن تشابه القصيدتين في شطر أو شطرين أو أكثر لا يدل على أنهما بنتا قريحة واحدة، وإنما هو الاختلاس، أو الاسترفاد، أو توافق الخواطر، ولو كان اتفاق الشعرين في شطر أو بيت يجيز إضافة السابق إلى ناظم الشعر التالي، لكانت إضافة أبيات أبي الصلت إلى النابغة أولى؛ فإن آخر بيت فيها وهو:
تلك المكارم لا قعبان من لبنٍ ... شيبا بماءٍ فعادت بعد أبوالا
مروي في شعر يُعزى إلى النابغة، وقد أراد ابن هشام نفيه من شعر أمية، وإلحاقه بالنابغة، فقال: إلا آخرها بيتاً، فإنه للنابغة في قصيدة له. وقضى به صاحب "الأغاني"(١) لأبي الصلت، وقال: إنما أدخله النابغة في قصيدة له على جهة التضمين.
ولم يكن بعد هذين الشطرين وجه شبه بين أبيات أبي الصلت وأبيات ابن يسار سوى أن كلا الشعرين مصنوع في بحر الطويل، ومشتمل على شيء من مدح الفرس، ومراعى فيه مقاييس اللغة، وهذه أحوال عامة لا ييلغ التماثل فيها أن ترد به الرواية, وينقل به الشعر من أبي الصلت إلى إسماعيل ابن يسار.