عبد الرحمن منهزماً إلى سجستان. لحق بكرمان، فلقي من عامله بها نزلاً مهيَّأً، ثم رحل إلى "زرنج"(١) فتنكر له عامله هنالك، وأغلق باب المدينة دونه، فانصرف إلى "بست"، وكان عامله عليها عياض بن هيمان، فاستقبله، ثم أوثقه في غفلة من قومه؛ لينال به عند الحجّاج قرباً وسلاماً، وكان (رتبيل) قد ركب لاستقبال عبد الرحمن، فنزل على "بست"، وهدد عياضاً، فأطلق سبيله، وحمله إلى بلاده، وأنزله في جواره.
تتابعت كتب الحجّاج إلى (رتبيل) في أن يبعث إليه عبد الرحمن، وكان من أثر هذه الكتب، وما تحمله من ترغيب وترهيب: أن بعث (رتبيل) بعبد الرحمن مقيداً إلى عمارة بن تميم؛ ليضعه في يد الحجّاج، فرمى عبد الرحمن بنفسه من سطح قصر، فهلك، وأرسل عمارة برأسه إلى الحجّاج.
نرى عرض هذه القصة على وجهها التاريخي كافياً لنقض ما يزعمه المؤلف من المشابهة بينها وبين قصة امرئ القيس، ومن أن قصة امرئ القيس موضوعة رمزاً لها.
وأول ما يخطر لك: أن عبد الرحمن بن الأشعث لم يقم للأخذ بثأر حجر بن عدّي، وتستبعد هذا الذي يدعيه المؤلف من جهة أن القرابة بين عبد الرحمن وحجر لم تكن من الشدة بحيث تحمل على الخوض في محاربة دولة ذات شوكة انتقاماً لها؛ فإن عبد الرحمن إنما يلتقي بحجر في الأب الخامس، وهو معاوية بن جبلة، ويضاف إلى هذا: أن القاتل لحجر معاوية ابن أبي سفيان، وصاحب الدولة يوم ثورة عبد الرحمن عبد الملك بن مروان، ويزاد على هذا: أن قتل معاوية لحجر كان في سنة ٥١ هـ، وثورة عبد الرحمن