ولم يصدر الجواب بقُل، أو فقل؛ كما وقع في أجوبة مسائلهم الواردة في آيات أخرى، نحو:{وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا}[طه: ١٠٥]، بل تولى جوابهم بنفسه؛ إشعاراً بفرط قربه منهم، وحضوره مع كل سائل؛ بحيث لا تتوقف إجابته على وجود واسطة بينه وبين السائلين من ذوي الحاجات.
{أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ}:
يجيب الله دعوة الداعي إذا صدرت عن إيمان وخشوع قلب، وورد تقييد إجابة الدعاء بالمشيئة في قوله تعالى:{فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ}[الأنعام: ٤١]، وورد في الصحيح ما يدل على أن المؤمن إذا دعا بما فيه خير، لم يخب عند الله دعاؤه، ولكن لا يلزم أن يعطيه نفس ما طلبه.
روى الإمام أحمد عن أبي سعيد الخدري: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:"ما من مسلم يدعو الله -عَزَّ وَجَلَّ- بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم، إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث خصال: إما أن يعجل إليه دعوته، وإما أن يدخرها له في الأخرى، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها".
وعد الله العباد في الجملة السابقة بأنه يجيب دعاءهم إذا دعوه، وأمرهم في هذه الجملة بإجابة ما يدعوهم الله إليه من الطاعات. والاستجابة: الإجابة. والرشد: حسن التصرف في الأمر من دين أو دنيا، وكأنه تعالى يقول: إني أجيب دعاءكم، وأنا ربكم الغني عنكم، فاستجيبوا أنتم لدعوتي، واذا استجبتم لها، فإنما تستجيبون ما فيه رشدكم الذي هو وسيلة سعادتكم في الحياتين العاجلة والآجلة، وأمرهم بالإيمان بعد الأمر بالاستجابة؛ لأنه أول مراتب الدعوة، وأولى الطاعات بالاستجابة.