مثلها، وإنما كان يتتبعها من هاهنا وهاهنا كما يصنع بعض ذوي الأفكار العقيمة من أنصار القديم، وأقوى هذه الشبه دلالة -كما يقول المؤلف- ذلك الذي يسميه: الدليل الفني اللغوي، وهو إنما دبّ إليه على حين غفلة من الناس، وسلَّه من مقال نشرته "مجلة الجمعية الآسيوية" للمستشرق (مرغليوث).
لا يعنينا أن يكون المؤلف أغار على ذلك المقال، أو أن خاطره وقع على ما وقع عليه خاطرُ هذا المستشرق كما يقع الحافر على الحافر؛ فإن النظرية في نفسها ساقطة، وشُبهها كما رأيتم خاسئة، والبحث الفني اللغوي الذي يبتدئ باختلاف اللغة العدنانية واللغة القحطانية، وينتهي باختلاف لغات القبائل العدنانية في نفسها، يكفي في سقوطه فرضُ أن تنشأ بين هذه اللغات المختلفة لغة يأخذ بها الشعراء والخطباء ألسنتهم، وقيام هذه اللغة الأدبية بين ذوي لغات تتفرع عن أصل واحد، ويرتبط أقوامها بصلة الجوار، وتبادل المرافق، والتقارب في العادات والآداب، يكاد يكون فرضه ضربة لازب، ولا سيما حيث انهالت الروايات الموثوق بها من كل جانب، وفتحت أفواها شاهدة بأنه كان أمراً واقعاً، ومن آثار شهادتها: هذه القصائد التي تروى لشعراء كندة وربيعة، وقيس وتميم. وقد بسطنا مناقشة هذا الدليل الفني في الفصول الماضية، على أن المؤلف قد نقض شطره، بل نقض أساسه من قبل أن نناقشه، فتقبّل قصيدتين لعلقمة، وعلقمة من تميم، وقال: إن أكثر هذا الشعر الذي يضاف لامرئ القيس محمول عليه، ومعناه: أن الأقل من هذا الشعر الذي يضاف إلى امرئ القيس اليمني من نسج قريحته، وليس فيما يضاف إلى علقمة أو امرئ القيس إلا ما هو مصوغ في هذه اللغة الأدبية.