وأما ما تحدث به المؤلف بعد هذا الدليل الذي هو في ظنه "أنهض حجة"، فمنه ما لا يدل على شيء، ولا يثبت شيئاً، ومنه ما لا يدل على أكثر من أن في هذا الشعر الجاهلي ما هو مختلق اختلاقاً، ولن تجد له على انتحال هذا الشعر كله أو كثرته المطلقة من دليل، أو ما فيه رائحة دليل.
يريد المؤلف أن يلقي في نفوس تلك الطائفة القليلة: أنه الداهية الذي ينال من الإسلام حتى يرضى، وما عليه إلا أن يقول كما قال في هذه الصحيفة: إنه يؤمن بعربية القرآن، ويجعل نصوصه مقبولة الشهادة على هذا الشعر الجاهلي. يقول هذا، وقد خادعته نفسه إذ خيلت له أن هذه الأمم الإسلامية تبلغ من السذاجة، ومن رؤيتها له بالمكان الأرفع، أن تطير فرحاً لرضاه عن القرآن، وتواضعه إلى أن يعتد بنصوصه، ويقبل شهادتها على أشعار الجاهلية الأولى.
إننا أمة بحث ونظر: نذهب مع العلم كل مذهب، ولا نقف لحرية الفكر في طريق، وإنما نحن بشر، والبشر تأبى قلوبهم إلا أن تزدري أقلاماً تثب في غير علم، وتحاصر في غير صدق، وإنما نحن بشر، والبشر تأبى لهم أقلامهم إلا أن تطمس على أعين الكلمات الغامزة في شريعة محكمة أو عقيدة قيمة.