ثم إن حديث الصيام اتصل بشرط رؤية الهلال، وهذا ما يحرك في النفوس خاطر السؤال عن الأهلة، فقال تعالى:{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ}.
{الْأَهِلَّةِ}: جمع هلال، وهو الكوكب الذي يطلع في أوائل كل شهر، ويسمى: هلالاً ثلاث ليال، أو سبع ليال؛ حيث يغلب ضوءه على ظلام الليل، ثم يسمى: قمراً إلى أن يعود من الشهر الثاني. ودلت الجملة على أن طائفة من الناس سألوا عن حال من أحوال الأهلة، وورد في بعض الروايات أن السائلين هم اليهود، وأنهم سألوا عن الحكمة من خلقها، وهذا ما يطابقه الجواب عن سؤالهم حيث وقع ببيان الحكمة فقال تعالى:
{قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ}:
المواقيت: جمع ميقات، وهو وقت يقدر لعمل من الأعمال، فالأهلة معالم يوقِّت بها الناس صومهم، وزكاتهم، وحجهم، وعِدد نسائهم، ومُدد حملهن، ومدة الرضاع، وغير ذلك من آجالهم في تصرفاتهم المالية. وخص الحج بالذكر، مع أن الأهلة مواقيت لعبادات أخرى؛ كالصوم والزكاة، إيماء إلى أن الحج مقصور على الميقات الذي عينه الله تعالى له، وأنه لا يجوز نقله إلى شهر آخر كما كانت العرب تفعل؛ إذ كانوا ينقلون ما شاؤوا من الأشهر الحرم الأربعة -التي من جملتها ذو الحجة- إلى شهر آخر غير حرام، وهو النسيء المشار إليه بقوله تعالى:{إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ}[التوبة: ٣٧].
وخص الشارع المواقيت بالأهلة وأشهُرِها، دون الشمس وأشهُرِها؛ لأن الأشهر الهلالية تعرف برؤية الهلال ومحاقه، وذلك ما لا يخفى على أحد من الخاصة والعامة أينما كانوا؛ بخلاف الأشهر الشمسية، فإن معرفتها تنبني