البر، فقال تعالى:{وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى}، فالبر نفس التقوى. وأخبر عنه بمن يوصف بالتقوى، فقال:{مَنِ اتَّقَى}، وقد تقدم أنه أسلوب معروف في كلام البلغاء؛ إذ يحذفون المضاف -الذي هو الخبر في المعنى- متى قام عليه دليل، وهو هنا الوصف الذي يحمله قوله:{مَنِ اتَّقَى}، والمعنى: ولكن البر تقوى من اتقى.
{وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا}:
تضمنت الجملة السابقة أن إتيان البيوت من ظهورها ليس من البر، وبقي محتملاً لأن يكون من المباح الذي لا حرج فيه، فقال تعالى آمراً بالكف عنه، ومرشداً إلى أنه ليس بجائز:{وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا}. والأمر بإتيان البيوت من أبوابها يقتضي أن إتيانها من ظهورها باسم الدين غير مأذون فيه، وكل ما يفعل باسم الدين، وليس له في الدين من شاهد، فهو بدعة، وكل بدعة ضلالة.
{وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}:
هذا أمر بالتقوى التي تتضمن القيام بجميع الواجبات، واجتناب البدع والمنكرات، فالمعنى: افعلوا ما أمركم الله به، واجتنبوا ما نهاكم عنه؛ لتكونوا من المفلحين، وهم الفائزون بالحياة المطمئنة في الدنيا، والنعيم الخالد في الآخرة.
أمر بالتقوى، ثم عطف على ذلك الأمر بعمل من أجلِّ مظاهرها، وأعزِّ ما تبذل النفوس في التقرب به إليه تعالى، وهو الجهاد، فقال تعالى:{وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ}، وهذه أول آية نزلت في القتال بالمدينة. والمقاتلة