للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أما حيث يقول في (ص ٣٦): "إن الخلافة نكبة على الإِسلام والمسلمين، وينبوع شر وفساد"، فنخشى أن يعد إقرار عمر بن عبد العزيز لجرير على هذا البيت شرارة من تلك النكبة، أو قطرة من ذلك الينبوع، فلا مندوحة حينئذٍ عن أن ندخل إلى نقض كلامه من باب تحرير معنى البيت وشرحه على مقتضى الاستعمال العربي.

قوله: "جاء الخلافة أو كانت له قدراً" وقعت "أو" هنا موقع الواو، وفي رواية: "إذ كانت له قدراً (١) ".

وهذا الشطر وارد على ما يفيده قوله تعالى: {ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى} [طه: ٤٠]. ومعنى الآية: جئت على قدر قدرتُه لأن كلمك وأستنبئك غيرَ مستقدم وقته المعين، ولا مستأخر (٢).

وعلى مقتضى هذا التفسير يكون معنى: "جاء الخلافة أو كانت له قدرًا": أنه جاء الخلافة على القدر الذي قدره الله لها، ويراد بهذا: أنه نالها بغير تعب ولا معاناة، قال الدماميني في "شرح المغني" (٣): "كانت له قدراً": كانت مقدرة، لا سعي له فيها.

فليس في البيت الذي أنشد بين يدي عمر بن عبد العزيز ما يدل على أن الله اختاره خليفة، وساق إليه الخلافة، إلا على معنى القدر الذي لا يغادر حادثاً من حوادث الكون إلا أتى عليه.


(١) مبحث "أو" من كتاب "المغني" لابن هشام.
(٢) تفسير البيضاوي.
(٣) مبحث "أو".