الكلمة، حتى ادعى أنه لو أمر السيل الجارف بالانصراف عن طريقه، لم يسعه إلا الإذعان لأمره، والخضوع لسلطانه، ولا يصح أن يعد مثل هذا من أثر الاعتقاد بأن الخليفة يستمد سلطانه من سلطان الله، وإنما هو من نوع الغلو الذي يرتكبه الشعراء في أكثر فنون الكلام؛ من غزل ومديح وهجاء وحماسة.
قال المؤلف في (ص ٨): "وأنت إذا رجعت إلى كثير مما ألف العلماء، خصوصاً بعد القرن الخامس الهجري، وجدتهم إذا ذكروا في أول كتبهم أحد الملوك أو السلاطين، رفعوه فوق صف البشر، ووضعوه غير بعيد من مقام العزة الإلهية".
بدا للمؤلف أن يبتدع للمسلمين في سلطان الخليفة مذهباً لا يعرفونه، ولما لم يجد في مباحث الخلافة ما ينبئ به، ولو بطريق التلويح أو الاقتضاء، صمّم أن يقرره، وصمّم على أن يعزوه لعامة العلماء، وعامة المسلمين، وعندما أفضت النوبة إلى تلاوة المستندات، قام ينشد من شعر جرير، والفرزدق، وابن هانئ، وطريح، وغيرهم، كأنه يبحث في حكم لغوي، أو سر من أسرار البيان، ولعله انتبه إلى أن ما أنشده من الشعر أقل من أن يثير شبهة، وأوهى من أن يستهوي النفوس إلى ظن، فأخذ ينبش عما يقوله العلماء في مديح الخلفاء من نثر، عسى أن يجدهم انفلتوا في هذا الصدد، وحام بهم الإغراق والغلوّ على نحو ما مر لأولئك الشعراء، فلم تقع يده إلا على بعض جمل نسجت على منوال السرف في مديح ملوك ليسوا بخلفاء، وما كان إلا أن أتى بما يوسع نطاق الدعوى، حتى يدخل تحت جناحيها الخلافة والملك، ويهيئ للاستشهاد بتلك الجمل موضعاً، فقال: "وجدتهم إذا