للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

"من بايع إماماً، فأعطاه صفقة يده، وثمرة قلبه، فليطعه إن استطاع، فإن جاء آخَرُ ينازعه، فاضربوا عنق الآخر"، وكلا الحديثين في "صحيح الإمام مسلم".

تفضل المؤلف بطرح المناقشة في صحة هذه الأحاديث، ونحن نعلم أنه لو دخل في المناقشة، لا يخلو حاله من سبيلين: فإما أن يذهب إلى الطعن فيها من الطرق التي أحكم السلف وضعها، وميزوا بها صحيح الأخبار من سقيمها، ولا نمتري حينئذٍ في أنه سينقطع به القول دون أن يمسها بوهن، أو يزحزحها عن مرتبتها فتيلاً، وإما أن يأخذ للطعن فيها مذهباً يبتدعه لنفسه، فلا نراه إلا أن يخلقه من طينة هذه الآراء المترددة في ريبها، الفاتنة للنفوس الزاكية عن أمر ربها. ولعل الواقع أنه رمى هذه الكلمة محافظة على خطة التشكيك، متى حبط عمله في رواية: "أعطوا ما لقيصر لقيصر"، وما جرى على شاكلتها.

قال المؤلف في (ص ١٨): "ثم لا نناقشهم في المعنى الذي يريده الشارع من كلمات: إمامة، وبيعة، وجماعة إلخ، وقد كانت تحسن مناقشتهم في ذلك؛ ليعرفوا أن تلك العبارات وأمثالها في لسان الشرع لا ترمي إلى شيء من المعاني التي استحدثوها بعد، ثم زعموا أن يحملوا عليها لغة الإسلام".

من ذا يصدق أن المؤلف أبصر هؤلاء العلماء ارتكبوا في تفسير البيعة والإمام والجماعة خطة جهل وضلال، ويترك مناقشتهم في ذلك التفسير إلى التشبث بمغالطات يملك أمثالها من أحب أن يقول: إن هذا النهار ليل، أو إن باقلاً (١) أفصحُ من سَحبان؟! (٢).


(١) باقل الإيادي: جاهلي، يضرب بعيّة المثل. والمثل: "أعيا من بأقل".
(٢) سحبان بن زفر بن إياس الوائلي (... - ٥٤ هـ = ... - ٦٧٤ م) يضرب به المثل=