قال المؤلف في (ص ١٩): "أو لسنا مأمورين شرعاً بطاعة البغاة والعاصين، وتنفيذ أمرهم إذا تغلبوا علينا، وكان في مخالفتهم فتنة تخشى من غير أن يكون ذلك مستلزما لمشروعية البغي، ولا لجواز الخروج على الحكومة؟ ".
الأحاديث الحاثّة على إطاعة ولي الأمر مطلقة، وإنما يقصد بها: المصلحة المترتبة عليها، وهي إقامة المصالح، وانتظام الحقوق، وبهذا أرشدتنا إلى طلب أصل ولايته. أما البغاة والعاصون، فقد أمر الإسلام بكفاحهم، وسلّ السيوف في وجوههم ما استطعنا لذلك سبيلاً، وأذن لنا بأن نجنح لسلمهم حينما نخشى فتنة أشد من محاربتهم، عملاً بقاعدة:"ارتكاب أخف الضررين"، والموازنة بين الضرر الذي نحتمله من ولايتهم، والفتنة التي نخشاها من محاربتهم يرجع إلى اجتهاد ذوي الخبرة بحقوق الأمة، ومبلغ قوتها، وعاقبة حربها أو مسالمتها.
فالوجه الفارق بين هذه المسألة وإطاعة أولي الأمر: أن المعنى الذي روعي في الأذن بمسالمة البغاة والعاصين لا يتحقق في البغي والعصيان حتى نذهب من الإذن بمسالمتهم إلى القول بمشروعيتهما، كما ذهبنا من الأمر بإطاعة صاحب الدولة إلى القول بوجوب ولايته.
ثم إن المؤلف عطف على هذه الأقيسة الخاطئة أمثلة أخرى، فقال: إن الله أمرنا بإكرام السائلين، والرحمة بالفقراء، ولم يكن هذا موجباً لأن يوجد بيننا فقراء ومساكين. وأمرنا أن نفك رقاب الأرقاء، ونعاملهم بالحسنى، ولم يدل ذلك على أن الرق مأمور به في الدين. وذكر الله الطلاق، والاستدانة والبيع والرهن وغيرها، وشرع له أحكاماً، ولم يدل ذلك بمجرده على أن